ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ
ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

السلام على هذا العالم.

السلام عليك أيها الكون ، السلام على السماء وأهلها وكواكبها وأجرامها الكثيرة التي تحمل شيئًا ما مُبهمًا يربطني بها ؛ يأبى أن يكشف الغطاء لي عن نفسه.

السلام على الأرض و ضوضاء سطحها ، وضجيج جوفها ، السلام على أهلها الكثر ، الأحياء منهم والأموات ، الأحياء الميتون ، والميتون الأحياء فينا رغم الألف خطوة التي تفصل بيننا وبينهم إلى المجهول.

السلام على الصباح ، وآه من الصباح الذي يؤرقني أكثر مما يلزمني له ، السلام على العيون المنتفخة في سبيل التعب والجد ، السلام على أولياء الله الذين أبغط رائحة الفجر التي تبقى تفوح فيهم حتى في الساعات البعيدة عن وقته ، السلام على ياسمينة منزل جدتي المتمردة عن سورها ،و التي تلقي لي تحية الصباح كالفرض كل يومٍ ، حتى أبادلها أنا ببسمةٍ عريضة تشبه رائحة الذكرى فيها.

السلام على الطفلة ذات الشعر المنكوش ، وعلى مريولها المدرسي والذي يبدو في صراعٍ لصغر حجمه مع جسدها ، السلام على براءتها المتوسدة وجهها رغم أنف فوضى الحزن التي تصر على اعترام ملامحها.

السلام على الأمهات الذين يحملون قلبًا أبيضًا كقلب أمي ، لا يفقه أبجدية سوى العطاء ، يسع كل الكون وكل أجرامه ، ثم فوق هذا يبقى متعلقًا بسؤال دائم “هل من مزيد؟” .
السلام على الأمهات السيئات الكسولات ، اللواتي لا يليق بهن لقب الأمومة ، واللاتي لا يجدن بأسًا في اهمال أبنائهن و تولية مهمة “التربية” للشوارع و الخادمات ، السلام عليهن بحجم ما أحمل في قلبي من عتابٍ و حزن و حسرة على قلوبهن.

السلام على الليل ، وأعوانه ، و ثرثرة جماداته التي تظن بأني لا أسمعها ، ولكني أسمعها و أجادلها وأضحك على ذكائها بين عمقي ، والتي رغم كل ذلك لا تنتبه لتلويحاتي.

السلام على كل الجيدين في العالم ، على التائهين بين جنبات هذه الأرض الضيقة-مثلي- ، على الواجدين أنفسهم بين هذه الأزمة في البحث عن السبيل ، على الذين يحملون وجوهًا بشوشة ،ترغم يومي على الأمل حتى في أسوء مزاجاته ، على المتفائلين دومًا في زمن يصر فيه التشاؤم على أن يثبت نفسه .
السلام على المحلقين إلينا من الماضي باحثين عن كسرات للنسيان ، السلام على كل المنغمسين في كآباتهم و الذين أبَوا على نزع السوداوية عن غشاء أعينهم.

السلام على كل الأطفال المنغمرين في وردهم ، على العجائز المتزينين بتجاعيدهم التي نحبها ويكرهونها ، والمتكللين بشيب الأبيض الذي يُصر على حمل شيئًا من زمانٍ مضى نكايةً بالحاضر ، على الموجوعين بوجع الحياة ، و الحاملين بين أيديهم جنسياتٍ لعالمٍ آخر لا يشبه هذا العالم القذر.

السلام على الذين ماتوا ، و الذين وُلدوا ، و الذين ما زالوا يصارعون الحياة.
السلام على الراحلين ، والقادمين ، والساكنين فينا الآن.
السلام على هدوئنا وأسرارنا و خطيئاتنا و فوضانا و قلوبنا و إنسانيتنا و أشياؤنا التي تشبهنا.
السلام على الحب والموت والبكاء والحسرة والحنين واللقاء والوداع والتمرد والكبرياء .
السلام على الغيم والزهر والبحر و الشجر و الطير الشريد.
السلام علينا أجمع .. فألقي يا الله بسلامك علينا ، و أحطنا برعايتك ، و اغدق علينا بمحبتك التي لا تشبه أي محبة سواها. <3
،،

#

عن حياة الدرباشي

شاهد أيضاً

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

عراك الظلام

ها انا جالسة ويصبني الملل، واضعة بجواري مصباح لا يفارقني ويحيطنا ظلام دامس. لم نخاف …

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

سأسكت

ثمّة هناك ثلة لا بأس فيها وكل البؤس منها في مجتمعنا ، يحاكون الغازات النبيلة …

شاركنا تعليقك =)

%d مدونون معجبون بهذه: