يخطر في بالي الدير يا صديق، كبوابة كبيرة محاطة بزنابق بنفسجية اللون وتؤدي إلى طريق آخر طويل، لا أشعر فيه بجنّة الأيام قدر شعوري بأن لنا في الحياة قطعة ملموسة من الله، نلمسها بأيدينا ونمشي عليها ونؤمن بأن آخرها سيؤدي إلى وجهه الكريم.
يخطر فيه الغصون التي لا تقف عليها العصافير، هي تخلقها وتنعم بمسيرة تفرعها نحو السماء، وفي قهوة الصباح وابتسامتي التي أرتديها في منامي لأقنع الحلم بأني أقل بؤساً من أن لا أصل إليه وأكثر عزماً على الوصول.
يخطر أن أنجح في صنع طائرة ورقية واحدة، كلها تسقط يا صاحب، كلها لا تعرف ما الذي يعنيه أن أختار “فلسطين” اسماً لها، أو أمنحها هذه الخصوصية وهذا الحق في الحرية في هذه الحياة.
يخطر فيه الربيع الذي لا يأتي على القلب أبداً إلا بك، والأبيض الذي حين ينزّه القلب يجرح روحي، وينقص منها أداة الكلام أو وسيلة لأكفّ عنه بطريقة أقل وطأة عليها وعليّ من الإنكسار.
يخطر فيه أن أتعدى صورة الغياب وأن أتخطاه كما نتخطى مشكلة صغيرة، أن أقول “الحمدلله يارب على كل نعمة أنعمت بها عليّ ولم تأخذها” .. أن أقولها قبل أن يأخذها، أن أمتلك هذه الطريقة في الدفاع عن غيابك الذي يسألني في غيابك عني.
يخطر أن لا أنصاع للوحدة وللقوة التي لا تظهر إلا خلال ضعفي، قوتي النحيلة عليّ، قوتي التي تنهكني.. ضعيفة صرت ومثلي هي..
نمرر محبتنا على قلبينا أو نرسم في وجوهها أفواه تتذكر أصواتنا قبل أن تتكلم وتحسب لها ألف حساب. الأصوات التي أنهكها كثرة التفاصيل التي تؤرخ كل شيء دون أن تذكرنا فيه .ليست مهتمة بندباتنا التي أحدثتها قبل أن تسأل “ماذا يعني أن يخسر المرء ضحكته قبل أن يلتقطها؟”
يخطر أن أُخيف الحياة بإحتياجي لها، هادئة صارت رسائل الحياة ومثلها أنا. نباشر أيامنا كما لو أننا لم نخسر أي شيء، نضيء جداً لأن هناك من لا يحتمل خسارتنا. ننتبه إلى العواصف التي تتغذى على أحلامنا ونغلق عليها أكفنا وننام .. نراسل العالم ونستقبل ما سيقوله أصدقاء السوء خلف ظهورنا.. كل ما بيننا يهبّ كما الريح وحيداً، يعصف كما لو أن هناك من سيهتم، نسخر ونستخدم الصفح وسيلة للأمان.
يخطر أن أذهب إلى أسكتلندا، وأن أتعلم الجيتار على يد مكسيكي رقيق، وأن أعترف بأن الكعب العالي هو شعور ناقص ولا يشعرني بأي إكتمال، وأن الهجرة ممنوعة عن الذين يستبقون سداد فواتير حياتهم ويتركون الباقي منها للآخرين.. أي حماقة تجبرك على أن تترك حياتك كلها خلفك على هيئة فواتير مسبقة الدفع؟
يخطر أن لا أنسى.. أنا أنسى كثيراً يا صاحب، أنسى إلى الدرجة التي تجعلني أبدو كاذبة تماماً أمام نفسي.. أنسى أن أحبك كما يجب وأن أكرهك كما أيضاً يجب وأن أنام في سريري وأنا واعية تماماً بحقيقة أن الله أكرمني بليلة أخرى من النسيان.
يخطر أن أغني عنك في قلبي الآن دون أن أسأل ما الذي نجنيه من شكوى الفراغ؟ الوحدة؟ وكثرة الخذلان؟ .. ما الذي نجنيه دام أن الصوت الذي ينساه العالم في ذاكرتنا لا يلحن لهم خساراتنا فيه ولا يتحدث على هيئة وجوه تطاطأ عنا رقابها حين نشعر بكل هذا الخزي من الحياة؟
يخطر أن لا يخطر أي شيء، البال يضعف مناعة الروح ويجعل يدها قصيرة إليّ، ويجعلني أبدو كما لو كنت في علبة صغيرة يفتحها أحدهم فتنفجر في وجهه ابتسامة مزيفة.. مبهجة لكنها مزيفة.. مزيفة جداً يا صديق.
Thats awesome ! You are brilliant :’)))