ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ
ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

“فانهضي في غيابي واتبعيني إلى الكروم”


كالذين لا يتحملون السير في طريق طويل وضيق ويتذمرون مما لا يستطيعون حمله أو تحمله، يسيرون وآذانهم خلف أعينهم، يغلقون الباب عليها حتى لا يسمعون أي شيء ولا يعرفون متى يتفقد الليل رعيته وهو ينادي عليهم ويظللهم تحت عباءته ويخبئهم من رؤية الأشياء الواضحة ويبعدها عنهم.


كالذين لا ينامون أبداً، الراقصون على موسيقى النهار، يداعبون الشمس حيناً ويستلقون تحت نعيمها أحيان، يتغنون بقدرتهم على الحياة وعلى الجلوس في أماكن لا ترد التائهين عن أوطانهم ولا تذكرهم بها, الذين يعرفون كيف يستلذون بأخطائهم ويواجهون بها الأسباب البسيطة المربكة التي تتطلع إلى إفساد متعتهم وإلى تأتأة ضحكاتهم.

كالذين لا ينتظرون مناسبة كي يحبون ذاتهم أو يزيحون الرخصة المجانية عنها، الذين يُربكهم الكذب وتنميق الكلام والإختباء عن حقيقة الفشل المؤكدة بعد كل تجربة فلا يتكلمون، ولا يتخفون ولا يتدنون إلى الحد الذي يفقدون فيه قدرتهم على الاستمرار أو على النضوج بعفويتهم الطيبة وعن اختبار أصواتهم التي هي أصل السليم المتبقي فيهم.

كالذين يشبهون قلب أمي وهي تقرأ لي حدوتة المساء وتقنعني بأن الشر قطعة صغيرة يمكن إزالتها بعملية جراحية من القلب ثم تصف أبي كفارس مغوار وهو يقطع قطعة الشر من قلب الملك الظالم ويقرأ عليه آية من القرآن فيلين قلبه ويعدل.
أو كالذين لا يشبهون أحد، نميزهم من حيث لا نعرف، كأطياف هم يمرون بملائكة الله حول أرواحنا ليقرأوا عليها السلام ويبددوا وحشة القبر فيها ويستعيذوا من الشيطان لها.

الذين لا يدوم اغترابهم أبداً، يرممون الأماكن التي لم نذهب لها ويزورون المشاوير الطويلة التي طواها المدى في صدره هي وأصحابها ليطمئنوا عليها, الذين يشبهون الماء، يرافقون أيامنا كالمطر وينمون فينا كزيتونة ضلت الطريق إلى خضرتها فأثمرت في قلوبنا أشجار.

أو ككل الذين لم أذكرهم، كالبشوشين الذين لم أفكر بهم, كالأماكن الحالمة بزائريها، أو كالأحلام التي لم تجد مكاناً يليق بها, أو كهذه المساحة الضيقة التي لا تدير النور حيث نحن لكنها ترحل بنا إليه.

عن حنين أبو ديّة

شاهد أيضاً

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

عراك الظلام

ها انا جالسة ويصبني الملل، واضعة بجواري مصباح لا يفارقني ويحيطنا ظلام دامس. لم نخاف …

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

سأسكت

ثمّة هناك ثلة لا بأس فيها وكل البؤس منها في مجتمعنا ، يحاكون الغازات النبيلة …

شاركنا تعليقك =)

%d مدونون معجبون بهذه: