ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ
ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

إلى أين المُنتهى

*هدوء الليل و الضوء المخروطي الهابط من الأعمدة كالمسرح يُضيء رؤوس الأطفال الحالمين ،و تهادي أنوار البدر على سجناء هذه الأرض ،فجلنا من السجناء سواء خلف القضبان من حديد أو من الهوى أو…… ، جعلته في حالة من الهذيان أمام النافذة ،بالإضافة أن تلك الأنوار تتجاوز العيون الشاخصةَ فيها ،تغوص عميقاً في دواخله ،تَحملهُ راغباً على اللقاء كل يوم كأنهُ يصعد من نافذته  من موطأ قدمه يقضي  ليلهُ على سطحه.
-من أين تتأتى المقدرة على فهمِ هذا التشابك العجيب في الأقدار ،عن أي حظٍ يتحدثون ،يجمعني أنا و هي و صاحبي و ذاك الطالب النهم للدراسة وتلك المختالة و لا أنسى الدكتور المتعجرف وأنا مدعو كضيف ،، ماذا يتعاطون أهي الماريجوانا تجعل هذه اللحظات مصادفةً عابرة،أيوجد حقاً في لغتنا ما يسمى بالصدفة ؛إذا هي لغة قاصرة.
*مجد مهتاجاً يخاطب الجدران علها تَفهَمه و تُفهِمهُ أو تُطلعهُ على هذه السلسلة التي لا تنتهي، على ناموس من نواميس هذا الكون،على التدخل الخارجي الحكيم في سير حياته إلا أنه ليس رباً ،بعد أن أفقدوه عقله أو فقدو عقولهم.
-أنت ألم تكن شاهداً منذ خمسة أعوام خلت على العهد الذي اتخذناه،أتعي النص جيداً ؟!،قل إذاً لِمَ تُأرقني ليلاً و كنت أحسبُ الليلَ ستراً أستريحُ به ،و هأنت أفقدت الأشياء والأزمان والأماكن معانيها وماذا بعد ؟! ،
–إتخذ نزهة فلتصارحها،، ولتعد لما كائن عليه،،،أتبدو ثقيلةً عليك بعض الشيء.
-منذ متى المبادئ تتجزأ و قد أفنيت ما خلا من عمري أحيكها لكبري وأتنازلُ و أجودُ بصحتي و وقتي وبما ملكت لأحفظ عهدي ،،كان الأجدر بمانديلا أن ينتقم لنفسه وينكل بسجانيه ،،أو أن يرد غاندي الحجاره على ملقيها ،،،
–ألم أخبرك المستقبل ، أنك تعيش عمراً أكبر منك ،،أين طيش الشباب منك ،،أين الفوضى الخلاقه ،،،الإندفاع دون الإلتفات لعواقب الأمور
-لا ضير ليكن إبتلاء ،،أما أنت لو استطعت أن ألكُمكَ دون أن أفقدَ يدي لم توانيت،،،مرآه بلا فائدة ،هذا نتاج ما تهوى مجتمعاتنا ،الإندفاع يكون بالحق وعلى البينة لا أن نساق كالخراف .

*غَلظَ بالكلام أو أتعب نفسهُ قد يقال لكن حقاً هؤلاء من تحدثهم أنفسهم بذاك يستحقون التقدير و إن أخطئوا فثمةَ خيرٌ يربطهم كما يربطُ الفرسُ بالوتد .طرق باب يقطع حواره:
مجد:من الطارق ؟
محمد: هل بالإمكان مساعدتك؟؟
مجد:لا عليك لا شيء يذكر .
محمد: اخفض صوتك إذن ثمة أُناس نائمون وأنت تصرخ كالمفجوع .
مجد:أعتذر عن الضجيج .
محمد: لا بأس، إن غيرت رأيك بإمكانك محادثتي ،فأنا أريد من يؤنس وحشتي كذلك.
*كان عامهُ الأول في تلك الجامعة و أهلهُ مغتربون ولا بيتُ ملكٍ أفلحَ أباهُ به فاشتراه ؛ مما اضطره لسكن الطلاب وكذلك جار الغرفة كحاله أيضاً إلى أنه يتيم الأم، فلجأ بعكسه لتعويض الجفاف العاطفي بالخارج فأباه كغيره من الرجال يفشلون في الإفصاح عن مشاعرهم إلا سلوكياً وهذا لا يُفهم عادةً، أيضاً خوفاً من أن يفقدون قدرتهم على تصويب الأمور لذا يفقرون أولادهم ويفقرون أنفسهم تلقائياً .
صباحٌ جديد و شريطُ الزمن يُكمل و تجهيز محاربٍ ليومٍ آخر من الإمتحان.
أحمد:صباح الخير ،كيف كانت ليلتك ؟
مجد: لا شيء جديد أعتاده ، ما زلتُ في ضلالي القديم .
أحمد: هون عليك الحياة لا تتوقف على الأشخاص.
مجد: بل قل إن الحياة نتلذذ بها حين ندرك أن الزمنَ لا حكم له في سعادتنا أو تعاستنا ،إنما بمن يشاركنا إياها فإما أن يتسارع ليصل لسرعة الضوء ،أو يتواطئ فيتباطئ لتسبقهُ السلحفاة ,وكذلك المكان كالجنة للنفس قد يكن أو جحيمها ،ماذا عنك ؟
أحمد: أنا بخير ما دُمتَ بخير ، ينتظرنا الكثير اليوم .
مجد:أعلم ،هذا نصيبي من صحبتك أن أُثقلَ جدولي الدراسي مثلك ،وأبقى أُُطالعكَ كالولهان ،أريد أن أشتاقَ لك .
أحمد: هه،هكذا تكافأ من يبغي لك الخير ..على كل حال لا تثقلني بهمومكَ أيضاً
مجد: أنت كريمٌ لا تبخل علي بذلك .
أحمد(خاطبه ممازحاً): أصبحت كريماً الآن ،متلونٌ مقيت .
مجد: سأنتظر دخول الدكتور بالخارج ،أذهب أنت .
أحمد: أنتَ تُدرك التعليمات لست بحاجه لأذكركَ .
مجد: أعلم
*انسلَ من أمام القاعة خارجاً في طلب نفَسٍ يشحنهُ بشيءٍ من الإرتياح كمن يرتشف القهوة كل صباح، فقصد الشرفة المطلة على باقي الجامعة يراقب الوافدون المتثائبون ،يراقب أسراب البشر القابعين تحت أسقفٍ من حديد متحركة ،بين الفينة والأخرى يسرح بما لم تَطلهُ أيدي البشر ،مستقرأً أسِرَّة العائمة فوقهُ قد تشبهُ شيئاً ما ،أو قد تعلمهُ بأن نهارهُ المشمس قد يستحيلُ إلى جوٍّ ملبد بالغيوم القاتمه ملقيةً أطنان من حبات المطر ،لتستعيد نضرتها ونشاطها و تُكمل دورتها ،هكذا تَبث في الكائنات دفعةً من الأمل ،وتعبثُ بإيقاعهِ فتُحاكي لحنهُ البائس كما تحاكي لحن النبتة الذابلة فتنفض الغبار عن سرٍ آخر للحياة ألا و هي غريزة البقاء ،إلى أن استعاد وعيه و اتجهَ صوب القاعة.
-الباب مقفل !! ليس مجدداً.
* يومأ بحركات لمحمد عبر نافذة الباب معاتباً ،لِمَ لم يكلمه ، ثواني قليلة يسمعه رنة الإستقبال الجوال لرسالة نصية
أحمد: ههه أتمنى أن لا تطرد يوماً .
مجد يحادث نفسه: اللعنه على شبكات الإتصال جميعاً …نهب للجيوب و مفسده للقلوب …الرسالة تصل بعد فوات الآوان .. متى أنفكُ عن لومِ غيري بحق الله .
يتدخل جارهُ من الخلف متأخرٌ أيضاً
محمد:أنت أيضاً.. من تُحدث ليلاً وصباحاً؟
مجد: لا شأن لك .
محمد: ستتهم بالجنون .
مجد: أشع عني ذلك .
محمد: لست منهم ..أمازحك فقط .
مجد: أتمنى ذلك .
أحمد: كيف كان الإنتظار ؟ … أشتقتَ لي!.
مجد: نعم أشتقتُ لك ،،، ألا ترى ذلك من لهفة البادية على وجهي؟! .
أحمد : أرى، أرى ذلك جلياً في عيناك الباردتان .

*تتجلى العلاقة في أن يتخاطر الطرفان و يدرك كلٌّ منهما ما يَهمُ بهِ الآخر ،،، ليس قراءة لطالع … بل قراءة بالأرشيف وتحليل لمعطيات المكان و الزمان وتمييز الأحوال وبعض من الذكاء وقوة الملاحظة تفي بمعرفة الحركة القادمه كلعبة شطرنج .
أحمد: فاتني الكثير على ما يبدو .
مجد: أكابر إن كذبت ،،، و أضعف إن صدقت.
أحمد: وماذا بعد الهذيان والسرحان المتكرر و فقدانك الإحساس كأنك خارج الزمكان ،و يكأن عُمركَ يُحسبُ برؤيةِ أحدهم و يتجمد بغيابه عن ناظريك.
مجد: لا أدري.
أحمد: على كل حال أراك بعد ساعة .
مجد: لا عليك
*صوتٌ مخنوق في المكان ، فيلتفت يُمنى ويُسرى لا أحد ،رنين هاتفه :
عبد: أَتِ معي أم أذهب وحدي؟.
مجد:بل خذني معك ،عليكَ قهوتي.
عبد : حسناً .
مجد: قصدُكَ الماء ملونة مع رائحة القهوة ، أنا أدفع فرق الحساب عن الماء الذي يباع في الكافتيريا.
عبد: ههههههه ،،هذا أنا
أبتاعا القهوة و بدء مسلسل أنتظار دخول المحاضر ،ثم يتبعهُ أسراب البط من خلفه ،أمّا مرارة القهوة هي مبتغاه لا لتنبِهَ حواسهُ فهو ضيفٌ لا يطلب العلم التجريبي -على أقل ليس اليوم- إنما ليعتاد على مرارة لا مفر منها في إنتظارها وفقدانها ،كمرارة حبات البن حين فارقت أرض الوطن ،فإن تجرّعها رشفةً واحدة ؛ تعاظم في قسماته ذاك الأرق .
مجد:تأخر كثيراً ،ألا يأخذ الحضور والغياب ؟.
عبد: لا يأخذ
مجد: حسنا ،هَقد أطل علينا المظفر .
عبد: سَتحضُر ؟
مجد: لا .

عبد: تعالَ و أحضر معي تؤنِسُني بدل أن تتسكع في الأروقة و الممرات و الأرصفة .
مجد:أحب تسكع ألا ترى قدماي أعتادتا ذلك .
*جذبه محمود لداخل ،قد نال مبتغاه، الإصرار على ما لا تريد لتحصل على ما تريد دون جلب الشبهة تلك الحيلة المتبعة ،بالأخير لا يقوى أحد على مجابهة الجمال دون أن ينال منهُ ولو نظرة وهو كذلك،إلا أنها لم تحضر بعد ،ولهفته لرؤيتها الدليل الدامغ على إمتلاكه فكر العاشق ،بدأ المحاضر بالدرس.
مجد:ما هذه الكيمياء الذي تتدارسونها ،لَعِبُ أولادٍ صِغار (قال مازحاً)
عبد: لم أدري بنبوغكَ مبكِراً .
مجد:ههه لن أتحدث عن نفسي ،فمادح النفس كذاب كما تعلم .
عبد: خيراً تفعل.
مجد: أترى، سيبدأُ بملئ المدار قبل الأخير 4س ومن ثم 3د .أما تلك الرابطة بين ذرات الكربون والهيدروجين هي التشاركية .
عبد: تتفصحن، أبو العريف .
مجد: علو كعبي عليك صديقي ههه.
*صوت صرير الباب يضيع التركيز والإنتباه ، فتتوجه العيون المتوقدة للعلم، ليريحوها على الوافد الجديد لثوان ، من ثمَ تتراجع في أفتراس العلم ، عدا عيناه وعيون بعض العابثين .تراقبُها إلى أن تجلس وبعد ذاك يعاودن ممارسة ما كانوا عليه ،أما هو يتوه في تأنيب الضمير و استفتاء قلبه في وجودها أمام ناظريه في مدى رؤيته للمحاضر فهو يجلس خلفها في زاوية اليسرى والمحاضر في زاويتها اليمنى وهي في صفوف الوسطى في منتصفها ، و إن كان يصحُ أصلاً أن يستفتي قلبهُ في هذه الحالة .
*أتى الشتاء بحظ العشاق منه ،أما أنصاف العشاف لا سبيل لهم فيه سوى مواقدهم المحُتطِبَه ،ولا موطأ قدمٍ لهم سوى وحل الأمنيات ،أما هي كأنها شجرة تساقطت أوراقها إبان حلول الشتاء تنكفئ على نفسِها و تدخر حيويتها و تتجهز لإنبعاثها الجديد ،أما هو يستبقه كبرياءه في رد طلب صديقه،ينتظر حظ تلك القطرات تتساقط بفعل الثابت الأرضي الذي أسقطَ التفاحة كذلك.
*إنقضى نصف الشتاء و لم يراها منذ مدة ،أنطفئت تلك الرغبة الجامحة المندفعه من عنفوان الشباب ، تكالبت عليها الكثير و للبرد حظٌ من ذلك ،فالمسير لرؤيتها كالمسير نحو الخطوط الأولى للحرب والنفس تحارب ضدك غالباً ،لكن الدفاع عن ماذا ولم يعرف إسمها قط.
مجد: كيف يبدو لك الشتاء ؟
أحمد: كمزاج كل سنة
مجد: إن عناصر الطبيعة تتشارك بما تملك
أحمد: وكيف ذاك ؟
مجد: أترى تلك الوردة لم تكن لولا أن هبت الريح تغازلها وتُلقِحها وتمايلها فيطرب المارة بعبيرها ،لم تكن لولا أن الماء أغدق عليه بحيويته وإندفاعه فتقارع الشوك ولم تكن لولا أن الأرض منحتها الثبات و أكرمتها بتلك الألوان فتسر من يناظرها،أفهمت ؟
أحمد : سأحدث الجامعه بأن تعطي مادة التذوق الفني ، ما رأيك ؟
مجد: أتهزء بي يا جاهل.
أحمد : هههههه ،،أقدر موهبتك الفذة ،اممم أطرأ جديد في قصتك؟ ..
مجد: ما زالت تحكى
أحمد :أتراها ؟
مجد: هي نظرةٌ تكفيني حتى أراها مرة أخرى
أحمد : ألست تبخل على نفسك؟!.
مجد: بل أرفق بها ..
أحمد :كيف ذاك يا معقد ؟..كيف أن اللحظ يكفيك كأنها زاد لشهر في بعض الأحيان، أن تؤنس وحشتك ليلاً،أن تقرَ عيناً بصورةٍ من الخيال .أمجنون أصدق !.
مجد: وماذا يطال المرأه أن تجالس صويحباتها يومياً ،ماذا يَنال الأطرش من المذياع يراه يومياً وماذا ينالُك من أتدرك قصتي والتطورات يومياً.ألبس الفضول القاتل؟!.
أحمد : غلبتني بهذه .
مجد:ومتى لم أغلبك .
أحمد :متعجرف ومتبجح بتلك الأفكار.
مجد: أتغار مني!.
أحمد : البتة ،لكن الشك يعتريني إن حَدثتُكَ ،تُقارب و تُباعد خطواتكَ عنها ،ولا أدري سبيل لأفهمك ،و من ثمَّ أُساعدُكَ بها .
مجد:أنا كتلك الغيم الرمادية ،كغازات البركان نُفثت،وما تغير شكلُها ،كثائرةٍ معلقةٍ كأن أحدهم يُمسِكُها من السقوط ،إلا أنها أبيضت من كثرت الدمع و أُخمِدت روحها
أحمد :لكنها مشاء يا صديقي
سعد :عزائي أنها مشاءَ
* تدحرجت الأيام إلا أن لفظ الشتاء أنفاسهُ الأخيرة وأنسحب عن طرق شبابيك من يخشى البلل ،المتلفعين بالدثر، من يحلمون بدفئ حياتهم وأنحسار عواطفهم لإستقرارها و إزهارها فيما بعد ،و أزاح النقاب عن خسارة في الأعمار بالإنتظار كم كانت ثقيلة
*بيد أنه رطب قلوب الآخرين فأضحت كالأرض لا يغادرها ذرة رمل أي ثبتها ،حفظها وخصبها فترى أهل الشتاء أكثر هدائةً وودادة و خمولاً في العاطفة العاشق لكثرة اجتماع العائلة وتحملُقِها حول المدفأة يتجاذبون أطراف الحديث ويهنئون بالسحلب لتدفئة قلوبهم كما يقولون إلا أنه دفء العائلة
.
#جزء1

عن سيل

شاهد أيضاً

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

كَبُرَت شَجَرَةُ الزَيتونِ

يَركُضُ بخطواتٍ متعَثّرة .. الكثيرُ من الخوفِ يَعُجّ بدمائهِ ، يَلفّهُ طَيفُ الأيامِ فيزيدُ الظلمةَ …

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

دقّات ساعة

هُناك وَجدّتُ قطعةً باتت تُوضح معالم الصورة التي أُركّبها مع الزمن.. هدوءٌ ودقّات ساعة! كَليْلةٍ …

شاركنا تعليقك =)

%d مدونون معجبون بهذه: