ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ
ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

عندما يصبح المفكر مجرما

خرج عن صمته اللعين  ليمزق الحاجز الذي لطالما فصل بينه و بين عالمه الخارجي. تحللت الشرنقة المحيطة به لتطلق العنان لجموح أفكاره. أفكار كبحها الصمت منذ الأزل…. أفكار طاولت في فلسفتها عنان السماء، لكن منطق البشر المحدود لم يفهمها فقيدها في قمقم الظلام اللامتناهي. لكن بما أن موته فجر جدار الصمت تناثرت أفكاره رصاصات خرقت و حطمت جدران المعقول. صوته تكاثف كهدير المياه، كزجرات الريح….. كهبوب عاصفة…. زعزع أصول المنطق، و بعثر كيان الطبيعة ليعيد إليها ترتيبها الأول. فقد أفصح الموت عما في داخله… لقد أطلق الموت العنان لجحيم أفكار كانت لا محالى هالكة لو لم يحررها سلطان الموت. صدى الكلمات ملأ الأرجاء فدوى هدير جنون ذاك العقل. تعالت أصوات الصمت لتكتنف الجلبة المدوية التي أحدثتها  تلك الأفكار الشيطانية.

 

لقد نبت النور في منجم الظلام ، فموته أنار لنا الحياة. موته أنار الطريق لعالم غارق في ظلمته. موته قاد كلا منا إلى عتبة أفكاره الخاصة. موته وضع العالم في حيرة كسرت قوانين الطبيعة!! و مع أن نور الشمس يبدد ظلام العقول الحالك، إلا أن معرفة الحقيقة تتطلب وقتا و جهدا.

لقد كان ولدا عاديا بل أكثر من عادي، كان يلهو يتسلى يسابق الريح في ركضه… لكن في عقله كان مختلفا فقد حمل في طيات عقله مصابيح وقادة تبدد ظلام افكار الاخرين. لكن تلك الأفكار بقيت حبيسة جمجمته التي قاربت الانفجار من تزاحم الأفكار فيها… قرع الأفكار كقرع طبول الموت…. تتنامى الأفكار و يكبر الولد معها ليصير رجلا ناضجا صاحب فكر شيطاني انبثق من إيمان راسخ بالحقيقة العمياء.

 

لكن تبا للحقيقة في هذا العالم المتجرد من أدنى القيم الانسانية فقد نحرت الحقيقة و  علقت مشنقتها في ساحة البشرية لقد ماتت الحقيقة و أعلن الكذب حقيقة مطلقة لكل الشرائع الانسانية. حاول مجابهة العالم بما لديه لكن فكره تخطى عقول البشر ليصل الى توحد كامل مع منظومة الكون اللامتناهية. فلقد أصبح واحدا مع من حوله، حطم قيود المكان و الزمان ليصير هو الزمان و المكان المطلق. لكن البشر لم يفهموه فكسرا مجاديف فكره منعوه من التجديف في بحر افكاره فقد احاطوه بشرنقة صمت لم يكسرها الا موته. عاش حياته وحيدا، معزولا عمن حوله.

كبر في الحكمة و عقله ما توقف لقد بقيت الافكار تدوي في عقله الى ان مات. افكاره لم تخرس بل تنامت.و بتناميها ازدادت مشاكله، تنامى الصوت حوله. احاطت الشرنقة كل جوانب حياته……. و لكن موته حرره….. مات…. لكن بموته  تفجرت الحياة. تسربت الافكار من قبره تاركة وراءها برد القبر اللعين و جسد صديقنا الفاني لياكله يباب الارض….. تناثر جسده لكن افكاره بقيت سليمة. تحدت كل قوانين الطبيعة خرجت عن صمتها اللامحدود لتواجه بني البشر……. و ها هو لا يزال جثة عفنة في قعر قبره البارد.

 

ما هذا؟؟؟! صرخ سعيد قائلا. لم يعرف ما حل به فقد لبدت السماء بشتى انواع الكلام المنمق، و بشتى العبارات المصاغة… نعم فقد تدافعت الافكار على بني البشر. لم يفهمها احد لقد اعمتهم تلك الافكار و اعماهم منطقه المنطلق من بؤرة الظلام، قبره…. تراقضت الأفكار في عقله علها تندفع من فمه معلنة الحقيقة التي تلقاها لكن عيونه أبت أن تتحرك و قلبه توقف عن النبض و هو في مكانه متسمر و لم يستطع أن يقول شيئا سوى: لا أعرف. لم يعرف ماذا حل به اهو ضرب من الجنون اهي صحوة العقل الغائب.. أهو القدر أهو الضمير ام انه شيء اخر لم يفقه تفاصيله. لم يستطع تفسير هذه الاحداث الغريبة فقدتلاطمت الافكار في عقله و بدأت شرنقة الصمت تحيك نفسها في عقله فوقف صامتا لا يعرف ما حل به. انها تلك الافكار الشيطانية التي قتلت صاحبها سابقا!! نعم هي بذات نفسها عادت لتعكر صفو حياة شخص اخر. تناطحت في عقله معلنة سطوة المنطق على حياته

. لكنه توقف جمد في مكانه كمن ضربته الصاعقة فقد فتحت عين عقله على ما غاب عنه منذ زمن… تكاومت هموم الدنياعلى صدره و اسفرت النقاب عن جحيم حياته الاتية.

لا ينفعنا التفكير نحن جهلة لا نفقه شيئا نريد العيش في غياهب جهلنا. لا نريد البحث عن ذواتنا و من ينجح في البحث عن ذاته يمسه ضرب من الجنون. نعم يمسه جنون البشر ذاك الذي يقود الى كمال العقول و الصفات. فعين المنطق اذا ما ازيل عنها ضباب الحياة لا تغلق ابدا!! لان المنطق صاحب سيادة على كل ما ه معلوم و غير معلوم. فالمنطق هو المعلم الاساسي لكل الكائنات. هو الكائن الاعظم و الروح اللامتناهية. و من أدركه صار مطلقا في طبيعته.

 

تخبطت الافكار مرة اخرى و اعلنت ثورة شيطانية خالقة دوامة لا تهدا في راسه. ترنحت الافكار في مخيلته فتقياها “ترهات” لم يفهمها احد لكن في حضيض نفسه ادرك بان ما يتحدث هو المنطق المجرد. نعم فقد تمخضت عن هذه العاصفة الهوجاء من الأفكار أفكار جديدة و منطق اخر…. و لكن ما لبث أن استوعب الأمور حتى أعاد التاريخ نفسه. فبعد أن أماطت الأفكار عن لثامها تجمد في مكانه و قرعت طبول الموت لتأخذه هو و الأفكار المجنونة إلى القبر البارد المظلم……. و الحفارة الصغيرة لا تزال تدق في عقله المريض…

 

 

ملاحظة: اليوم، نعيش في مجتمع مبني على منظومة من الأكاذيب المنمقة… مجتمع يقتل كل ذا حس، مجتمع يطبق ببراثنه على أي فكرة تساهم في تطويره. نعم، نحن نعيش في زمن تحكمه دكتاتورية فكرية أسسناها بأيدينا. المختلف يقتل، الجديد يلقى به في الهاوية. لقد اعتدنا العيش ضمن نظام معين… و أي تغيير في هذا النظام يشكل لنا خوف قهريا! لذلك نحاول قتل كل جديد…. لأننا و ببساطة نخشى من المجهول

تمت

 

عن فريد حلتة

شاهد أيضاً

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

عراك الظلام

ها انا جالسة ويصبني الملل، واضعة بجواري مصباح لا يفارقني ويحيطنا ظلام دامس. لم نخاف …

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

سأسكت

ثمّة هناك ثلة لا بأس فيها وكل البؤس منها في مجتمعنا ، يحاكون الغازات النبيلة …

شاركنا تعليقك =)

%d مدونون معجبون بهذه: