مسار الإنسان إجباري، كل اللافتات تشير إلى مآل واحد، فجميعًا نعلم بداية الطريق، و تاريخ بدء السير، لكن لا نعرف موعد المنتهى، و كيفيته، و الطريق معلوم البداية مجهول النهاية يتبادل فيه الاستقامة و التعاريج الأدوار، فنمتعض من كثرة التعاريج و شدة انحرافها، و نتنفس الصعداء باستقامته، و لكل منعرج صراع، و تختلف درجة الصراع تبعًا لحدة انحراف الطريق، فلدى كل انحراف يتولد طموح يسعى الفرد لتحقيقه، و كم من الانحرافات التي يسهل اجتيازها، و إن صعب ذلك في البداية.
أما ما يثيرالتعقيد، و ما لا أعرف له حلا للنجاة هو التصارع بين العقل و القلب، فيُقال إن العرب لا يتفقون على شئ، و هناك من يصور ذلك بأنهم بالعكس اتفقوا، و لكن على ألا يتفقوا، و لكن هناك من أشد منهم عداوة، و فرقة، و تنافر بين قطبين، و ما يزيد الأمر تعقيدًا وجود القطبين في جسد ينبض، فيدخل الفرد في صراع لا يعلم مداه، فإذا تمكن القلب من زمام الأمور، و شق طريقه في ثبات، يقطع العقل الطريق أمامه ليعيده من حيث أتى، و أما في تمكن العقل من أمر إلا و يخرج القلب من ورائه و يجذبه عما يمضي فيه، و في كلتا الحالتين يظل الفرد في مكانه دون حراك، أو خطوة إيجابية.
العقل رمز الصرامة، و القوة، و المنطق في تقدير الأمور، و قطع الحبال المتهالكة، حتى لا يلق الإنسان حتفه، فهو كالأب، يقسو على أبناءه حتى يضحوا أشداء، معتمدين على ذواتهم، متحملين للمسئولية، أما القلب فهو رمز الرحمة، فهو كالأم، تخفف من حدة الأب في شدته، حتى و لو وصل الأمر للخلاف بينهما، فلو غلب حنان الأم لصار الابن عالة على من حوله، مصاب بضعف في شخصيته، حتى و لو كان في رحمة الأم عليه لذة، و باب من أبواب الراحة.
و أظل أنا في موضعي حائر، أأكون عقلانيًا، و أسيّر كل شئ على مقياس لا يقبل الانحراف؟ حتى تضمر خلايا الحنان و الرقة؟ أم أكون ممن اتخذوا روح القانون سبيلا، و تركوا للقلب تقدير كل ذرة من تفاصيل حياتهم؟ و يظل هذان السؤالان يهتكان أعراض تفكيري دون هوادة أو شفقة على نفسي المسكين، حتى نسيت مجرى الزمن، و وجدت جسدي محمولا على اعناق المشيعين، لأرى منتهى الطريق أخيرًا….