ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ
ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

فخرٌ منقوص

(صوابعك مش زي بعضها) تتردد هذه العبارة في مواضع كثيرة، من اهتمامات شخصية، و مقارنات، و اختلاف آراء….إلخ، فهي تتخلل في أمور كُثُر، فالبشر عمومًا، و اتحدث عن المصريين بشكل خاص، مختلفين فيما بينهم، فيغفو الفرد و هو على رأي، و يصحو على نقيضه، لكن ينقشع الضوء عن تلك العبارة فيما يتعلق بالفخر، خصوصًا إذا كان للفخر سبيل إلى الوطنية، فنسلمُ بقول حسن يخرج من فيه عظيم، و نجهل الذم، أو الخداع إذا نطق به نفس اللسان، إضافة إلى ذلك لا نهتم بأصل القول أو سنده، فطبيعتنا انتقائية لا موضوعية.
و تظهر هذه الطبيعة في تجليات عديدة، فيفخر البعض، و بتعصب، بأن الجندي المصري هو خير أجناد الأرض، مستدلاً على الحديث المنسوب لرسولنا الكريم –عليه الصلاة و السلام- حيث قال:”إذا فتح الله عليكم مصر فاتّخذوا فيها جنداً كثيفا ، فذلك الجند خير أجناد الأرض”، في حين أن هذا الحديث ضعيف، بل و قال بعض العلماء مثل الشيخ “أبو إسحاق الحويني” أنه باطل؛ لضعف السند، فمن ساندي هذا الحديث “الأسود بن مالك” و “ابن لهيعة”، فالأول ليس له تاريخ أو خلفية في سند الأحاديث، و الثاني اشتهر بسوء حفظه، إضافة إلى أنه كتبه قد احترقت.
و يفخر البعض بقول “هتلر” (النمساوي و حاكم ألمانيا) مادحًا الجيش المصري حينما قال:”لو كان السلاح الروسي في يدي، و العقل الألماني، و الجندي المصري لغزوت العالم”، بينما يتجاهلون ما قاله نفس الشخص في حق المصريين، فيقول بالنص في كتابه “المصريون لن يفلحوا في زحزحة الكابوس البريطاني و لن يذهبوا في التضحية إلى حد الجود بدمائهم في سبيل قضية اخوانهم”، و يكمل حديثه فيما يتعلق بكيفية مواجهة بريطانيا قائلاً :” و انا كعنصري اتخذ من الأعراق مقياسًا لقيمة العتاد البشري، لا ابيح لنفسي ربط مصير شعبي بمصير شعوب تحتل في التسلسل العنصري مرتبة وضيعة”، و يقصد هنا المصريون و الهنود.
و نرجع بالذاكرة إلى الثورة العرابية، و الموقف الشهير الذي حدث بين “أحمد عرابي” و الخديو “توفيق”، و أصبحنا نضرب المثل بـ”عرابي” في مواجهة الظالمين، و البحث عن الحريات، لكن لا أحد يتحدث عن رسالة “عرابي” إلى محاميه الإنجليزي “بلنت” قبل نفيه، حيث قال مادحًا بريطانيا :”أريد أن أعيش بين إخواننا الذين يرعون حقوق الإنسان، أعيش رجلاً حراً في أرض الحرية، دون أن أكون متحفظاً علىّ، أو تحت رقابة”، و نحن نعلم أن بريطانيا كانت قد هزمت عرابي في موقعة التل الكبير عام 1882 و تم احتلال مصر.
الرؤية المعيبة ينتج عنها فخر زائف و منقوص، و الدخول في مهاترات و صراعات لا داعي لها، لكن الحل للنجاة من ذلك سهل و سلس، و هو النظر إلى ألوان قوس قزح كلها، دون الاكتفاء بالنظر إلى لون أو اثنين.

عن محمود عبدالوارث

شاهد أيضاً

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

تعويذة منمقة صقلوها فألصقوها

مهيئون نحن دوماً على وضعية التمني، نحاكي أحلاماً كثر ولكنّ أقل القليل منها يصيّر إلى …

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

عن سليمان الحلبي

يالها من صدفة أن يُولد في كنف التاجر الحلبيّ محمد أمين، فالظروف تخبره في العام …

تعليق واحد

  1. أصبت 🙂

اترك رداً على محمد ملحس إلغاء الرد

%d مدونون معجبون بهذه: