ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ
ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

شيء يُدعى مجتمع و أمنية

من اخترع الدوام المدرسي و الجامعي و أوقات العمل؟
إنه شخص يكره شروق الشمس و غروبها بلا شك، هو نفسه الشخص الذي اخترع مصابيح الشوارع و أنوار المحلات الصاخبة؛ شخص لا يطيق النظر إلى السماء ليلاً و التحديق إلى النجوم.
ثم من جعل الأمور كلها تدور حول السياسة، و أفسد على الناس حياتهم وضحكتهم و بهجتهم؟
إنه شخص يكره الشعر بكل تأكيد، و يسخر منه. بل يخجل من أن يقول كلمة لطيفة لأحدهم أو يقع في غرام شخص ما أو يزرع الأزهار في حديقته.
و من جعل النساء يرتدين الكعب العالي الذي يقصم ظهورهن و يجلد أعصابهن؟
إنه شخص يكره نفسه و لا يحب طبيعة الماء المنسابة، بل يريد كل شيء حوله صلب و قاس يصدر ضجيجاً ورنة عالية.
ومن قرر جوائز الإبداع تلك؟
إنه شخص منبهر على الدوام لا يرى إلا تحت قدميه. و لو نظر أبعد قليلاً لرأى أن البشر كلهم يستحقون هكذا جوائز، لكنه يحصر ذوقه في نمط معين من البشر دون سواهم على نطاق ضيق المدى.
و القهوة؟
القهوة تصرخ منكم وتصرخ فيكم: “كفاكم،إنه شعور كاذب بالحب”, و لو شرب أجدادكم الكاكاو أو الشاي أو النعناع بالطريقة ذاتها التي شربوني بها، لقلتم أنكم تعشقونهم مثلما تعشقونني.
و المجتمع؟
من اخترع هذا المرض من الأساس؟
افعل هذا لأن فلان يفعله. تكلم بهذه الطريقة لأن هذا هو السائد. علان أكثر نجاحاً منك. “عيب” عليك أن تقول الحقيقة بوجه أحدهم لكن لا بأس إن قلتها من وراءه. الحب “عيب” أما الزواج فمنظومة فاشلة. جهنم بإنتظارك إن فعلت كذا و كذا و كذا. هؤلاء ليسوا بشر، إنهم: ذكر و أنثى، غني و فقير، أسود و أبيض، نحيف و سمين، تقي و فاجر، حاكم و محكوم، رئيس ومرؤوس .. الخ.
لابد أن من اخترع المجتمع، هو شخص يعاني الماشوزية و يهوى تعذيب نفسه. اخترع المجتمع ثم انتحر.

_

أمنية:

سأتجول حول العالم حاملة معي شجرة ياسمين صغيرة. ستكبر بين ذراعي، و ستشاركني المطبات الهوائية و رائحة المطارات و أدوية الدوار و تفتيش الحقائب و النظر إلى السوق المفتوحة و بضائعها المذيلة بأسعار الدولار و الترانزيت، و البحث عن حقيبتي بين الحقائب، و كراسي الطائرة الضيقة, و وجبات الغداء البلهاء، و ابتسامات المضيفات المتكلفة و صوت الطيار المزعج، و السماعة المعطلة على كرسي الطائرة. سأتشاجر مع أمن المطار حتى يسمحوا لي بالعبور بها بينما أضع السماعة على أذنيها لتستمع إلى الموسيقى كلها.
سيمتلىء جواز سفري بالتأشيرات و الأختام. سيطول شعري و تطول شجرة الياسمين و تتشابك معه بينما أنام بجوارها و لا أنتبه.
و إلى أن يحدث هذا، دعونا نلعن المجتمع.

10553556_828114123898047_2609808104941301081_n

عن حنين أبو ديّة

شاهد أيضاً

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

عراك الظلام

ها انا جالسة ويصبني الملل، واضعة بجواري مصباح لا يفارقني ويحيطنا ظلام دامس. لم نخاف …

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

سأسكت

ثمّة هناك ثلة لا بأس فيها وكل البؤس منها في مجتمعنا ، يحاكون الغازات النبيلة …

شاركنا تعليقك =)

%d مدونون معجبون بهذه: