ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ
ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

“يعيش في فيلم صامت يُصّوَّر..”

سيسعفك المجد في ألا تقول أي شيء.. مجدك في أنه ثمة الكثير مما تعرفه، أكثر من قدرتك على سماعه، وأكثر من فكرة الكلام الذي يبدو لك “بأفكاره وأوهامه وأوجاعه وأنت” مثل كرة صوفية تدحرجها في الهواء ثم يركض خلفها العالم كأي كلب سعيد يعيدها إليك..

 

 

وكمنظر أليف صادقت وجهك.. وجهك المعكوس خلف المشاهد كأي بداية تفتّح شبابيكها على أشخاص يتحركون ويضحكون ويلوحون بمناديلهم داخل حلمك الذي تاه في مدار بعيد، يحتمي بينه السيّارة بنجومهم من الليل، يتدلون فوقها.. ويرسمون على الأرض سلالم لا تعيق مرورهم فيه دون أن يخلفوا ندبات..

وجهك الذي مثلك هنا، يتساءل عن ماهية الحقائق، عن جدوى الأحلام.. والذي مثلك يفكر لماذا حين نُدخل الحياة إلى بيوتنا علينا دفع الآخر المقيم معنا نحو الباب..خارج الحياة..

 

الحياة؟

الحياة..

 

كان كبيراً علينا يا حياة هذا الإعتزال..الإعتزال الكبير الذي لصق باسمك وهو يلتف حول نهاياتنا مدعيّاً النجاة..

كان كبيراً أن نكون ممن نجوا.. الذين خرجوا من أنفسهم في محاولة فرارهم منهم إليكِ..كان كبيراً أن نعيشك في مشهد آخر، ونرتدي مقاس خطوتك فوق أحلامنا.. مشهداً لا تحدث فيه أحداثه خارج العين.. كلها داخلها.. كما لو أنها تنحشر خشية أن تخرج منها فتقتلنا..

 

كان كبيراً أن نفكر كيف حين نلتقيكِ لن نجد من نقيس عليه ومعه قياس نهارك.. ستبدو وجوهنا بهذا الهدوء.. وجوهنا التي تناقصت بعد كل هذه الخسارات..

 

كان كبيراً علينا وبعد كل شيء أن لا نخاف السلام.. أن نرسل الضحك رسائل مرسومة على الجدران وأن نسعى إلى دفن سرك كأي صناديق ثقيلة مدفونة في محيط بعيد..

كان كبيراً علينا أن نكون كل مكان خارجي.. أن نكون خارج كل مكان..وأن نسوّر هذه الهشاشة المعتمة بمصابيح من زجاج، حتى حين يخفق الضوء في الوصول نرميه بفكرة أن هناك وصول لكل الأشياء.. الوصول الذي لأجله تحولنا إلى حصى نفقع بها أعيننا لنزرعها مصابيح للطريق..

 

كان كبيراً أن نبدو مثل رجل في حرب باردة لا تنتهي..باسط ذراعيه لريح لا تهدأ ويتصادم مع الأصدقاء كما لو أن لا يعني أحد منهم الآخر، ونتحدث عن الأصدقاء بنزاهة وشرف دون أن ننتبه لمرّة إلى فمهم المزّين بذراع لا يطول فيبسطها خلف ظهرنا الموجوع ويتقاطع معنا كما لو كان كلانا لا يكتمل إلا بالآخر..

 

كان كبيراً علينا أن نخشى أكثر مما نحب.. فتنتصر إنجازاتنا على العالم ثم تخفق عند عتبة البيت.. بيت أحلامنا الذي فرّت إليه السعادة بعد أن هجرنا المكان دون أن نحفظ ولو لحظة في صورة كان كبيراً.. كبيراً جداً علينا أن تنتهي قبل أن نعود فنلتقطها..

 

كان كبيراً أن نجدكِ خارج خارطتنا داخل الموت.. وكمن خسر لتوه صديقاً، نظرنا إليكِ، كمن أشفق دون أن يعاتب.. وحين بدا المضي سهلاً، وقفتِ تسلمين.. تسلمين براياتك المتسخة بدم اللاجئين الذين هربوا لتوهم إليكِ..تستبدلينهم بفقرهم ضد حيلتك وضآلتهم ضد قدرتك.. ودمهم ضد كل هذا.. ضد حتى خوفهم وخوفك..

 

 

 

“كنا كل الموتى:

موتى الطيور المغردة

موتى الطيور الصامتة

موتى الحيوانات الجميلة

في الماء واليابسة،

موتى البشر

الصالحين والطالحين

 

 

كنا هناك

موتى..

دون نشيد

دون أسرار

لا بسمة

ولا حسرة

 

 

وفي الحلم

خارج الزمن

نظرتِ إلينا بحب

 

 

واستيقظنا

معك”

عن حنين أبو ديّة

شاهد أيضاً

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

عراك الظلام

ها انا جالسة ويصبني الملل، واضعة بجواري مصباح لا يفارقني ويحيطنا ظلام دامس. لم نخاف …

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

سأسكت

ثمّة هناك ثلة لا بأس فيها وكل البؤس منها في مجتمعنا ، يحاكون الغازات النبيلة …

شاركنا تعليقك =)

%d مدونون معجبون بهذه: