ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ
ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

أكبره عمرا و يكبرني سنا

 

و في ظل الفجوة التي تعتري البلاد العربية و تجتاحها قيحا و نقصا و خراب ! و تحيلها بؤسا يغشاها و ينال من الذين يصغروننا سنا حتى ارتموا في خانة الدمار قبل أوانهم ! و نال الهلاك من أجسادهم حتى أيقنوا أن الوطن ميؤوس  منه ، الموت في سبيله كالموت في سبيل البقاء للأقوى من الذين تتيسر في أيديهم أسباب العظمة و القوة و الجاه و المال ، و ما جعل ذاك الواحد منهم إلا أنه كبر ما يزيد عن عمره عشرة أعوام ، و يحمل من الهموم ما يحمله كهل كبير السن أو أكثر !

الطفل السوري الذي أعرفه ذاك خرج هاربا مع أهله لاجئا إلى الأردن ، القذيفة لاحقته حتى نالت من أهله كلهم في طريق الهروب إلا هو و أبيه ، بعد أن أكملا في طريق الهروب نالت منه سيارة دهسته ! و كأن الموت رديفه يبحث عنه أين كان  ، و لا يعرف للأجل معنى ، كل ما يعرفه أنه مات في سبيل وطن ما حرره قبل أن يغادره و عندما غادره مات ، و كأن التناقض واضح لا يعرف أيبقى أو يذهب ، أيحب وطنه أم يمقته بعد ذالك الذي حدث ، كل ما يعرفه أنه يحب تلك الأرض التي ولد عليها و لا يعرف لها سبيلا إلا الشهادة .

 

و في عُرض ذاك يحضرني الطفل المصري الذي يصرخ في أمه التي نالت الشهادة راجيا لها ألا تذهب و ألا تموت ! و لكن من سمع ؟ كيف ستسمعه أمه المتوفاة و التي فارقت الحياة توا ،  كيف ستعود له ! كيف ستلبي رغبته ؟
كل ما كان في قلبه حينها أن الوطن ذاك خراب دمار، و لا يحبذا البقاء فيه بعدها ! فيحمل ما تبقى له فيه و يذهب تاركا إياه لسالبيه حاملي الشارات الإسرائيلية لتعود النكبة من جديد و تُفتتح من أوسع أبوابها على دمار شامل أو يقرب ، لا أدري أشر أريد بهذه البلاد أم نحن من صنعنا الشر نفسه !

كل الصور التي تحضر في ذهني الآن هي النازية ! و كيف أن هتلر حافظ على مبادئه برغم نواياها الشريرة لكنه أصر على تحقيق هدفه و أشعل ثورة نازية في العالم كتب عنها التاريخ كله ، رغم وساختها بالنسبة لنا العرب لكنني أرى أنه لولا إصراره و إيمانه بهدفه لما تحقق ! بغض النظر عن تصنيفه كخيّر أو شرير ! و بالمقارنة رغم حسن نية أهدافنا الثورية العربية التي لا تسعى إلا لتحرير أمة و استقلالها و نهضتها و الوصول بها لأقصى درجات السلام و الحرية إلا أننا لم نؤمن بهدفنا و نيقن به ذاك اليقين الذي الذي يسمح لنا بالانتقال من الأسر للحرية ! فلذلك صارت سنوات النكبة تمر علينا تعدادا و سنوات الحرية تندر حتى تكاد تنفذ ! و تأقلمنا مع الحروب و الاحتلال كحياة يومية لا تؤثر بنا ! و نأخذ منها ما نأخذ دون أن نعتبرها احتلالا أصلا ، و كل ذلك ما هو ذاهب إلا بعقول الصغار منا قبل الكبار حتى فهموا الاحتلال فكرة سيكبرون في أرجائها حتى يقتلون أو يسجنون دون ذنب أو سبب ، أو حتى تُنوّم عقولهم مغناطيسيا إلى أن يصبحوا أحد أذرع الاحتلال ، سواء أكان الاحتلال فكريا أم هندسيا ، و الضريبة واحدة دوما لا تتغير : وطن مسلوب لا أكثر ..

لا أدري كيف لنا للتحرر سبيلا و نحن متأقلمون مع الاحتلال ، لا أدري أنرفض الحرية أم نخافها ! و لا أدري أناعمون نحن بالسلام في وطن مسلوب ؟
و لا أدري كيف لأولادنا أن يكبروا في قوقعة من خراب ، و الزمرة التي كبرت منهم كبرت قبل أوانها حتى كادت تكبر الكبار سنّا ! و تلقنهم الحرية كيف تكون أو الحق كيف يبخس !
و ما نحن إلا مسلوبو ضمير أمامهم لا نعرف لحريتهم طريق و لا يهمنا إلا نزواتنا التخريبية الساعية لأوج نجاح اقتصادي يسقط إن سقط الوطن في عين إسرائيل و ما يجاورها ! و مستعدة هي لإسقاط كل البنيان بنخزة واحدة فلا نحصّل لا مال و لا حرية .

أراني لا أرى سبيلا لتحرير الوطن المسلوب المنهوب إلا بالذي أكبره عمرا و يكبرني سنا و تجتاحه نزوة حماس لا تنطفي إلا بحرية أو بشهادة على نية حرية ..

فرح اللوزي

عن فرح اللوزي

شاهد أيضاً

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

تعويذة منمقة صقلوها فألصقوها

مهيئون نحن دوماً على وضعية التمني، نحاكي أحلاماً كثر ولكنّ أقل القليل منها يصيّر إلى …

ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ

عن سليمان الحلبي

يالها من صدفة أن يُولد في كنف التاجر الحلبيّ محمد أمين، فالظروف تخبره في العام …

تعليق واحد

  1. !
    هذا الصغير فهم ما معنى الوطن !

    #رائعة

شاركنا تعليقك =)

%d مدونون معجبون بهذه: